مراقبة الله
اكد فضيلة الدكتور محمد داود، أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة قناة السويس، أن مراقبة الله عز وجل في السر والعلن من أعلى درجات الدين، فالدين فيه درجات، بدءًا من الشهادة اللفظية وصولا إلى الإحسان وفيه أن يعبد العبد ربه كأنه يراه، كما جاء في حديث جبريل عليه السلام، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ، إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب ، شديد سواد الشعر ، لا يرى عليه أثر السفر ، ولا يعرفه منا أحد ، حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسند ركبته إلى ركبتيه ، ووضع كفيه على فخذيه ، وقال : " يا محمد أخبرني عن الإسلام " ، فقال له : " الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا " ، قال : " صدقت " ، فعجبنا له يسأله ويصدقه ، قال : " أخبرني عن الإيمان " قال : " أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، وتؤمن بالقدر خيره وشره " ، قال : " صدقت " ، قال : " فأخبرني عن الإحسان " ، قال : " أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك " ، قال : " فأخبرني عن الساعة " ، قال : " ما المسؤول بأعلم من السائل " ، قال : " فأخبرني عن أماراتها " ، قال : " أن تلد الأمة ربتها ، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء ، يتطاولون في البنيان " ثم انطلق فلبث مليا ، ثم قال : " يا عمر ، أتدري من السائل ؟ " ،قلت: "الله ورسوله أعلم " ، قال : " فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم " (مسلم).
وأضاف داود أن من أفضل الطاعات على الإطلاق مراقبة الله في جميع الأوقات، قال ابن المبارك لرجل: راقب الله تعالى، فسأله عن تفسيرها فقال: "كن أبدا كأنك ترى الله عز وجل"، وسئل الحارث المحاسِبي عن المراقبة فقال: "علم القلب بقرب الله تعالى".
كما أوضح أستاذ الدراسات الإسلامية أن المسلمين بحاجة إلى مراقبة الله سبحانه فيما تبقى من شهر رمضان المبارك، مبينًا أن لهذه الطاعة ثمرات عديدة، منها تذوق حلاوة الإيمان، فعن عبد الله بن معاوية رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ثلاثٌ من فعلهنَّ فقد طَعِم طعمَ الإيمان: من عبد الله وحده وأنه لا إله إلا الله. وأعطى زكاة ماله طيبة بها نفسه، رافدةً عليه كلَّ عام، ولا يعطي الهرِمَة، ولا الدَّرِنَة، ولا المريضة، ولا الشَّرَطَ اللئيمة، ولكن من وسط أموالكم، فإن الله لم يسألكم خيره ولم يأمركم بشره. وزكـى نفسه" فقال رجل: وما تزكية النفس؟ فقال: "أن يعلم أن الله عز وجل معه حيث كان" (أبو داود والطبراني ).
ومن ثمرات مراقبة الله أيضًا البعد عن المعصية كما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظلّه: الإمام العادل، وشاب نشأ بعبادة الله، ورجل قلبه معلَّق في المساجد، ورجلان تحابّا في الله اجتمعا عليه وتفرّقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله" (مسلم)، وقال نبينا صلى الله عليه وسلم: "قالت الملائكة ربّ! ذاك عبدك يريد أن يعمل سيئة (وهو أبصر به) فقال: ارْقُبُوه، فإن عملها فاكتبوها له بمثلها، وإن تركها فاكتبوها له حسنة. فإنه تركها من جَرَّاي" (مسلم).
كذلك أداء العبادة على الوجه الأكمل، فإن نبينا صلى الله عليه وسلم ذكر تعريف الإحسان بقوله: "أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك"، فالمرتبة الأولى عبادة شوق وطلب، فإن تعذَّر عبدتَ عبادة خوف وهرب. فالحديث صريح في أن مراقبة الله تدعو إلى تحسين العبادة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق